الصفحة الرئيسية  قضايا و حوادث

قضايا و حوادث بعد جدل حلقة الاغتصاب: دعوة لتغييــر القانــون وعلاء الشابي يبرّئ نفسه

نشر في  19 أكتوبر 2016  (11:22)

خلفت الحلقة الأخيرة من برنامج «عندي ما نقلك» على قناة الحوار التونسي ضجة عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، كما شن رواد هذه المواقع حملة ضدّ مقدم البرنامج الاعلامي علاء الشابي تحت عنوان «سي علاء عقاب الاغتصاب مش العرس»، وجاءت هذه التحركات على خلفية استضافة البرنامج لفتاة تدعى هاجر وتبلغ من العمر 18 سنة، وقد اكدت الفتاة خلال حديثها انها تعرضت الى الاغتصاب عديد المرات من قبل 3 من اقاربها، وذكرت  انها حامل في شهرها الثامن وان والد طفلها هو شقيق زوجة ابيها، مع العلم ان هاجر وضعت مؤخرا مولودا ذكرا ـ حيث ان الحصة مسجلة ـ  

هذه قصة هاجر ولكن ما اثار استياء البعض ودفع بممثلين عن المجتمع المدني الى كتابة عريضة الى مندوب الطفولة بالقيروان، هو أن مقدم البرنامج طلب من الفتاة الاعتذار من والدها الذي سبق ان طردها من المنزل بمجرد تفطنه لأمر حملها، كما ضغط عليها وطلب منها الزواج من مغتصبها، واعتبر كل من شن هذه الحملة ان الفتاة ضحية وليست مذنبة وان والدها ومجتمعها لم يرحماها ومن العيب اخراجها في ثوب الظالمة واغتصابها «معنويا» امام الاف المشاهدين، وهي التي تعرضت الى الاغتصاب منذ ان كانت في الرابعة عشر من عمرها.
ورغم ان الحصة مررت وشاهدها الآلاف سواء اثناء بثها او على صفحات التواصل الاجتماعي فان الجهات الرسمية لم تتحرك (باستثناء الهايكا)، وتواصلت مأساة هاجر امام صمت وزارة المرأة ووكيل الجمهورية ومندوب الطفولة ..
من جهة اخرى نشير الى أن المشرع التونسي يقضي بسجن المغتصب او زواجه من ضحيته كعقوبة بديلة، مع العلم ان عديد الجهات الحقوقية سبق ونادت بضرورة التخلص من هذا القانون الذي ينصف الجاني اكثر من الضحية ..        

شقيقة الضحية تروي التفاصيل

ولمزيد التعمق في قضية الفتاة هاجر، نورد عليكم ما نشرته شقيقتها الكبرى، التي ذكرت ان مأساتهم انطلقت منذ وفاة والدتهم في سن ال34 سنة، وذكرت ان والدها تزوج بامرأة أخرى في ظرف 40 يوما من وفاة والدتهم، وقام حفل زفاف دون مراعاة لمشاعر اطفاله، حيث ذكرت انها كانت تبلغ من العمر انذاك 5 سنوات واختها الكبرى 12 سنة، في حين يبلغ شقيقها 17 سنة وهاجر سنتين .
وذكرت الشقيقة ان زوجة الاب تسترت على ما اقترفه اقرباؤها واغتصابهم لشقيقتها مضيفة ان اعمار الجناة تتراوح بين 42 و47 سنة واحدهم هو مؤذن بجامع الجهة، مضيفة ان الاخيرة دأبت على ضرب شقيقتها واجبارها على الصمت .
وبينت الشقيقة في توضيحها ان زوجة الاب كانت قاسية جدا معهم، مما اضطر شقيقها الى الذهاب الى صفاقس حيث عائلة والدتهم، ثم التحقت به شقيقتهم الكبرى، مشيرة الى أنه ورغم تفوقها في الدراسة فقد اضطرت هي الأخرى الى اللحاق بهما، نتيجة سوء المعاملة التي كانت تجدها من والدها وزوجته، مضيفة انها تعرفت في الاثناء على شخص احبته وعقدت قرانها عليه واتفقا على الزواج بعد مدة وانه اشترط عليها العيش في منزل والدها، لكن في الاثناء سعت زوجة الاب الى ابعادها عن زوجها، وهو ما تم فعلا حيث انفصلت عن زوجها قبل الزفاف، كما ذكرت انها هربت من منزل والدها مدة سنتين ..

قصة هاجر

اما بالنسبة الى هاجر، فاشارت الى انها فتاة ريفية لا تفقه من الحياة شيئا وان حياتها اقتصرت على الفلاحة والرعي، اضافة الى الضرب والاهانة، مؤكدة انها قررت بعد 3 سنوات العودة الى منزل والدها، وهناك فوجئت بشقيقتها حاملا، وواصلت سرد قصتها بقولها انها اخبرت شقيقها بامر الحمل وتعرض هاجر الى الاغتصاب بعلم من زوجة والدهم.
وبمجرد كشف الامر قامت شقيقة هاجر وشقيقها بنقلها الى مركز الامن حيث تمت مكافحة هاجر بالمظنون فيهم وهم شقيق زوجة الاب البالغ من العمر 42 سنة وهو متزوج وابن عم زوجة الاب وعمره 49 سنة وهو مؤذن وابن خالة الاب وهو فلاح يبلغ من العمر 47 سنة.
واشارت الشقيقة الى انه تم ايقاف شقيق زوجة الاب والمؤذن في حين لاذ الثالث بالفرار، واشارت الى أنّ والدها اسقط الدعوى في حق شقيق زوجته .
في الاثناء انجبت هاجر مولودها يوم 10 اكتوبر الجاري، امام صمت الجميع، حيث لم تتحرك ولو جهة رسمية واحدة لإنصاف هذه الفتاة واسترجاع حقها.

علاء الشابي يوضح: كلامي ليس قرآنا

وفي اتصال هاتفي جمعنا بمقدم برنامج «عندي ما نقلك» علاء الشابي، أفادنا ان كلامه في تلك الحصة كان مبنيا على تقرير الطب الشرعي، حيث وبتسخير من وكيل الجمهورية، اثبت الطب الشرعي ان الفتاة لم تتعرض الى عملية اغتصاب وانها معتادة على ممارسة الجنس، وبالتالي فان اغتصابها امر مشكوك فيه حسب الطب الشرعي، على حد تعبير محدثنا الذي اكد في نفس الوقت انه تعاطف مع الفتاة وصدقها لكن وامام انعدام الخيارات امامها وامكانية تشردها اقترح عليها الزواج بقريبها، مضيفا ان كلامه ليس قرآنا ويحمل الصواب كما الخطأ، وان ما جاء على لسانه هو مجرد اقتراح، حيث لم يلزم ضيفته به.
وافادنا الشابي انه وامام صعوبة الوضع الاجتماعي والمادي للضحية لم ير حلا آخر سوى الزواج من والد ابنها ليس درءا للفضيحة وانما كحل لوضعيتها .
واشار علاء الشابي الى انه يعرف هوية من شنوا ضده الحملة، مؤكدا انها ليست المرة الأولى التي تشن فيها حملة ضد برنامج «عندي ما نقلك» مؤكدا ان الحملة انبنت على فرضية تعرض الفتاة الى الاغتصاب والحال هناك فرضية ثانية تقول انها لم تتعرض الي الاغتصاب .
من جهتنا نؤكد ان منطلق حديثنا هو ما جاء على لسان علاء الشابي واقتراحه الزواج من المغتصب، لكن الاهم في هذا هو تسليط الضوء على القانون التونسي القاضي بتزويج الضحية من الجاني وتغليبه لمفاهيم الشرف والعار.
ولعل ما نؤكده هو  ان الفصل 227  يكافئ الرجل على الاغتصاب تحت غطاء قانوني يقتبس روحه من مفاهيم «العار» و«العيب» والعادات الاجتماعية مثل «لسترة» و«درء الفضيحة».

المشرع التونسي: قانون زجري

في البداية نشير الى ان غالبية القوانين العربية لا تخلو من النصوص التي تعفي المغتصب من الملاحقة إذا تزوج المعتدى عليها، فيتحول القانون إلى أداة عقاب إضافية للضحية بدل أن يحميها.
فالمادة 227 من المجلة الجزائية التونسية تنص على: “يعاقب بالسجن، مدة ستة أعوام، كل من واقع أنثى دون عنف سنها دون 15 عاما كاملة، وإذا كان سن المجني عليها فوق 15 عاما ودون 20 سنة كاملة فالعقاب يكون بالسجن مدة 5 أعوام، والمحاولة موجبة للعقاب، وزواج الفاعل بالمجني عليها في الصورتين المذكورتين يوقف التتبعات أو آثار المحاكمة»
وتستأنف التتبعات أو آثار المحاكمة إذا انفصم الزواج بطلاق محكوم به إنشاء من الزوج طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 31 من مجلة الاحوال الشخصية وذلك قبل مضي عامين من تاريخ الدخول بالمجني عليها.
وتجدر الاشارة الى ان وزيرة المرأة والأسرة والطفولة التونسية السابقة، سميرة مرعي، اكدت منذ قرابة السنة انه ستتم مراجعة القوانين التمييزية ضد المرأة؛ خاصة المتعلقة بتزويج الفتاة القاصر من مغتصبها.
ويذكر ان القانون الشامل الذي صادقت عليه الحكومة وتم تمريره الى مجلس النواب يضم الغاء هذا الفصل وغيره من الفصول الزجرية والتي تشكل انتهاكا لحقوق المرأة، في انتظار المصادقة عليه.
وكان مجلس النواب المغربي قد صوّت مثلا لصالح تعديل في القانون الجنائي المغربي يلغي الإعفاء الممنوح لمرتكب جريمة الاغتصاب من عقوبة السجن في حال زواجه من ضحيته.

ماذا يقول علم النفس: القانون يغتصب الضحية

عادة ما تقدم الفتاة التي يتم اجبارها على الزواج من مغتصبها على الانتحار او الانزواء او ارتكاب جرائم في حق نفسها او غيرها، ففي المغرب على سبيل المثال اهتز الرأي العام قبل تنقيح القانون بجريمة شنيعة حيث أقدمت فتاة مغربية تدعى امينة ( 16 سنة) على الانتحار بشرب سمّ للفئران بعدما أجبرت على الزواج من رجل اغتصبها لينجو من السجن بفضل قانون العقوبات في المغرب.
وتمكّن الرجل الذي اغتصب أمينة من الإفلات من إدانة في القضاء استناداً الى مادة في قانون العقوبات تنص على أن المغتصب يفلت من السجن إذا تزوج من ضحيته.
وفي اتصال هاتفي بالدكتور في علم النفس رضا بن يوسف اكد لنا ان مثل هذه القوانين هي عبارة عن اغتصاب ثان للضحية، وبطريقة شرعية وقانونية، مضيفا ان مثل هذه الاجراءات لها عواقب وخيمة على نفسية الضحية مؤكدا ان حل الاغتصاب ليس الزواج بل الاحاطة بالضحية ومساعدة على تجاوز محنتها .
واكد ان هذه التشريعات قد تشجع البعض على الاغتصاب بهدف الزواج من فتاة ترفضهم، وقد يؤدي هذا الامر حسب محدثنا الى الانتحار او ارتكاب جريمة قتل في حق المغتصب، لان المغتصبة لن تقبل حتما الحياة مع وحش اغتصبها لانه سيظل بالنسبة اليها مغتصبا وليس زوجا.
واشار إلى انه في مثل هذه الحالات هناك عديد الجرائم في حق الضحية من الاغتصاب، الى مكافأة المنحرف بالتمتع بانحرافه بشكل شرعي، الى  تحريره، ومعاقبة وسجن الضحية مدى الحياة معه .

يسرى فراوس: على الاعلامي انارة الرأي العام

قالت الناشطة الحقوقية وممثلة الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان يسرى فراوس انّ ما طرح في برنامج «عندي ما نقلك» هو تكريس للفصل 227 من المجلة الجزائية الذي يسقط كلّ التتبعات القانونية بحق مغتصب القاصر في حال زواجه منها، ويمثّل شكلا من أشكال العنف القانوني الذي يعتمد في مقاربته للعنف ضدّ النساء على معايير اجتماعية من بينها السعي الى ستر الفضيحة، وذكرت يسرى ان مسألة الغاء هذا الفصل هي مسألة وقت لا غير حيث من المنتظر الغاؤه مع عديد القوانين التي تكرس اشكال العنف ضد المرأة على غرار الفصل 239 الذي ينص على اسقاط كل التتبعات القضائية على الشخص الذي يفر بقاصر في صورة زواجه بها ..
واكدت يسرى انه كان حريا بمقدم البرنامج الاطلاع على مستجدات الساحة القانونية لانارة الرأي العام وليس العكس، مضيفة ان هذا الاعلامي تبنى عقلية «الستر» ودرء الفضيحة وتحويل المرأة من ضحية الى جانية .
واشارت محدثتنا الى ان الهايكا مطالبة بالتحرك ضد هذه النوعية من البرامج، كما طالبت الحكومة باتخاذ موقف تجاه هذه الانتهاكات .
من جهة اخرى ذكرت ان الرأي العام مطالب اليوم بالضغط من اجل تغيير وتنقيح ما جاء في المجلة الجزائية، مضيفة ان هذه المجلة بعثت منذ 1913 ولا تزال تونس ملتزمة بما جاء فيها ...   

إعداد: سناء الماجري